خطبة الوداع
هل يمكن أن تخلو خطبة رسول يودع أمته ولا نبي بعده.
من خطوط عريضة تسير عليها الأمة من بعده..؟
إن الإجابة على هذا السؤال تدعونا إلى التأمل في نصوص خطبة الوداع الواردة في كتب السنن كما تدعونا إلى التأمل في الآيات القرآنية التي ارتبطت بتلك الفترة..
وعلى رأس النصوص القرآنية التي ارتبطت بحجة الوداع قوله تعالى:
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (1).
____________
(1) سورة المائدة
فقد أشار كثير من المفسرين والفقهاء إلى أن مناسبة هذه الآية كانت حجة الوداع وأن الأمر الصادر للرسول كي يبلغه للأمة كان يتعلق بمستقبل الدعوة من بعده..
يروي البخاري عن عائشة قالت:
من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (2).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
لماذا تقول عائشة هذا الكلام..؟
لا شك أن هناك مناسبة ما اضطرتها إلى قولها هذا..
ويبدو أن هناك من أكثر القول حول هذه الآية
وأن هناك شيئا ما له أهميته نزلت به الآية..
ولا يعقل بل لا يجوز أن يوجه الاتهام إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بكتمان ما أنزل الله.
فإن هذا الكتمان بكافة أحواله هو في صالح المنافقين والقبليين وأصحاب المصالح والأهواء. فما الذي يضطرهم إلى تكذيب الرسول واتهامه بالكتمان وهم يعلمون أن القرآن يتنزل على الرسول فاضحا لهم وكاشفا لنواياهم..
إذن الرسول لم يكتم شيئا وأبلغ الأمة ما أنزل إليه. لكن الكتمان جاء من أطراف أخرى. وهو ليس كتمانا لنصوص قرآنية بلا شك وإنما هو كتما لقول الرسول حول هذه النصوص ويبدو أن هناك اتجاه كان يؤمن بأن هذه الآية كانت تتعلق بوصية الرسول فيمن يخلفه من بعده. ولعل هذا يبرر قول عائشة الذي يشير إلى أن الآية لو كانت تشير إلى هذه القضية لبين الرسول ذلك وما كتمه..
وهو ما يبرر رواية عائشة الأخرى في البخاري التي تقول منكرة وصية الرسول لعلي:
متى أوصى إليه..؟ فلقد أنخنث في حجري
وما شعرت أنه مات. فمتى أوصى إليه..؟ (3).
وإذا ما استعرضنا النصف الآخر للآية الذي يقول:
وإن لم تفعل ما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)
تبين لنا أن هناك أمر جلل بلغ للأمة أوجب
____________
(2) البخاري. كتاب العلم.
(3) البخاري كتاب الوصايا ومسلم كتاب الوصية..
طمئنة الرسول بأن ردود الأفعال من قبل المنافقين والقبليين وأصحاب الأهواء لن تضره شيئا وهو ما يمكن فهمه من قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)..
والرسول تتنزل عليه الآيات بكثير من الأحكام يبلغها للناس منذ سنوات فلماذا ارتبط تبليغ هذا الأمر الأخير بالعصمة من الناس..؟
وقوله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم. وأتممت عليكم نعمتي. ورضيت لكم الإسلام دينا) (4).
من الآيات التي نزلت في حجة الوداع كما روى الجمهور عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دعا الناس إلى علي في يوم غدير خم.
وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقام فدعا عليا. فأخذ بضبعيه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله وعلي. ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية.. ثم قال (صلى الله عليه وسلم):
من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.. (5).
يروي البخاري أن رسول الله خطب في الناس فقال: ألا تدرون أي يوم هذا؟
قالوا الله ورسوله أعلم.
قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
فقال: أليس بيوم النحر؟ قلنا بلى يا رسول الله.
قال: أي بلد هذا..؟ أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا بلى يا رسول الله
قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا هل بلغت. قلنا نعم.
قال اللهم فاشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له فكان كذلك. قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.. (6).
وفي رواية: لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.. (7).
____________
(4) سورة المائدة..
(5) أنظر كتب التفسير وأسباب النزول.
والحديث رواه أحمد في مسنده ح 1 / 118 وإسناده صحيح.
(6) البخاري. كتاب الفتن.
(7) المرجع السابق..
وعن جرير قال؟ قال لي رسول الله في حجة الوداع:
استنصت الناس. ثم قال:
لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.. (8).
وروى مسلم:
أيها الناس: اسمعوا قولي. فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم
بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا.
أيها الناس. أن دماءكم وأموالكم حرام عليكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
ألا وإن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع
ودماء الجاهلية موضوعة وأن أول دم أضع من دمائنا
دم ابن ربيعة بن الحارث وربا الجاهلية موضوع.
وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله..
أيها الناس. إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذاك فقد رضى به ما تحقرون من أعمالكم. فاحذوره على دينكم.
أيها الناس: إن النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا. منها أربعة حرم.
ثلاثة متواليات. ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
اتقوا الله في النساء. فإنكم إنما أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهم بكلمة الله.
إن لكم عليهن حقا. ولهن عليكم حقا. لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه.
فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبدا إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنة رسوله..
يا أيها الناس: اسمعوا وأطيعوا
وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام فيكم كتاب الله.
____________
(8) المرجع السابق..
أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه.
تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم. وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه. فلا تظلموا أنفسكم.
اللهم هل بلغت وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون..؟ (9).
وروى ابن سعد: أرقاءكم. أرقاءكم. أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون. وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم.. (1).
وروى ابن إسحاق في سيرته نفس هذه الرواية كما رواها ابن سعد في طبقاته.
تروي كتب السنن أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال:
إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين:
كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما.. (11).
وفي رواية:
إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.. (12).
وفي رواية مسلم:
أيها الناس. إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين:
أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه.
وشال: أهل بيتي.
أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي (13)..
وفي رواية أن الإمام علي نشد الناس في الرحبة قائلا:
من سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
____________
(9) مسلم س 4 / 37..
(10) الطبقات ح 1 /
(11) مسلم باب فضائل الإمام علي. ورواه الطبراني في الأوسط وجمع الجوامع للسيوطي والترمذي باب مناقب آل البيت والهيثمي في مجمع الزوائد ح / 9 163..
(12) الحاكم في المستدرك ح 3 / 146. وانظر مسلم..
(13) مسلم باب فضائل الإمام علي.
وانظر الترمذي والنسائي والدارمي ومسند أحمد.
يقول في غدير خم - موضع ماء خطب فيه الرسول أثناء حجة الوداع - إلا قام.
فقام من قبل سعيد ستة. ومن قبل زيد ستة.
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول لعلي يوم غدير خم:
أليس الله أولى من المؤمنين. قالوا: بلى.
قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه.
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.. (14).
وعن البراء بن عازب قال:
أقبلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في السنة التي حج فنزل في بعض الطريق. فأمر الصلاة جامعة. فأخذ بيد علي فقال:
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا: بلى.
قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا:
بلى: قال: فهذا - أي علي - ولي من أنا مولاه.
اللهم وال من والاه وعاد من عادا.. (15).
ويقول ابن تيمية عن أهل السنة:
ويحبون أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله حيث قال يوم غدير خم:
أذكركم الله في أهل بيتي..
Hiç yorum yok:
Yorum Gönder